الجمعة، 26 سبتمبر 2008

الاسواق المالية تتجاوز اسبوعا داميا


كان الاسبوع الذي بدأت المعاملات المالية فيه يوم الاثنين 15 سبتمبر/ايلول اسبوعيا تاريخيا للاقتصاد الامريكي، انهارت خلاله مؤسسات ظلت تعمل بنجاح لاعوام طويلة، واضطرت مؤسسات اخرى للاندماج خشية السقوط، وفي نهاية المطاف كان المخرج الوحيد للازمة هو تدخل الحكومة الامريكية بضخ مئات المليارات من الدولارات في الاسواق.
في يوم الاثنين، وقبل ان تفتح الاسواق المالية ابوابها، تم الاعلان عن افلاس بنك "ليمان براذرز"، رابع اكبر بنوك الاستثمار في الولايات المتحدة، بعد فشل جهود المسؤولين الامريكيين من وزارة الخزانة وبنك الاحتياطي الفدرالي الامريكي (الذي يقوم بوظائف البنك المركزي) لانقاذ البنك.
وكانت هناك جهود لقيام بنك "باركليز" البريطاني بشراء "ليمان برازرز"، الا ان باركليز رفض الشروط الموضوعة للصفقة وقرر الانسحاب، واكتفى في نهاية الاسبوع بشراء صندوق استثمار يمتلكه "ليمان" ولم يتعرض للضرر من الازمة.
وفي نفس اليوم تم الاعلان ان بنك "ميريل لينش"، وهو ايضا احد البنوك الاستثمارية الامريكية الكبرى، اضطر لقبول عرض شراء من "بنك اوف اميركا" خشية تعرضه ايضا للافلاس.
وتوالت الاخبار المزعجة لاسواق المال يوم الثلاثاء فقد اضطرت الحكومة الامريكية الى انقاذ شركة "ايه اي جي"، اكبر شركة تأمين في العالم، وذلك بشراء ديونها المتعثرة بمبلغ 85 مليار دولار وهو ما يعني عمليا ان الحكومة الامريكية قامت عمليا بتأميم الجزء الاكبر من نشاط الشركة العملاقة لانقاذها.
ويوم الثلاثاء ايضا اعلن الاحتياطي الفدرالي انه سيبقي سعر الفائدة عند 2% دون تغيير، في الوقت الذي توقع فيه محللون ان يتم تخفيض سعر الفائدة لتسهيل عمليات الاقراض وضخ مزيد من السيولة في الاسواق.
وكانت نتيجة التطورات التي شهدتها الاسواق خلال يومي الاثنين والثلاثاء ان شهدت الاسواق المالية انخفاضا حادا يوم الاربعاء، كما امتدت الازمة الى السوق البريطاني، اذ تدخلت الحكومة البريطانية لانقاذ "هاليفاكس- بنك اوف سكوتلاند" او "اتش بي او اس" عن طريق قيام بنك لويدز بشرائه بمبلغ 12 مليار جنيه استرليني. ورغم ان الصفقة انقذت البنك الا انها ستؤدي لخسارة آلاف الوظائف.
وفي يوم الخميس، ووسط مخاوف من تصاعد الازمة المالية، اتفقت البنوك المركزية في مجموعة من الاقتصاديات الرئيسية في العالم، ومنها البنك المركزي الاوروبي وبنك اليابان، على ضخ 180 مليار دولار في الاسواق عن طريق زيادة مشترياتها من سندات الخزانة الامريكية.


وفي يوم الجمعة اتخذ المسؤولون عن الاسواق المالية قرارا بوقف المضاربات قصيرة الاجل مؤقتا، وهو نفس القرار الذي سبقت بورصة لندن الى اتخاذه، وذلك بهدف الحد من الانخفاض في اسعار الاسهم. وفي نفس اليوم اعلنت الحكومة الامريكية خطة لاخراج الاسواق المالية من ازمتها الحالية، من ابرز معالمها انشاء صندوق بقيمة 700 مليار دولار لشراء حصة من الديون العقارية المتعثرة. وكانت نتيجة هذه الاجراءات ان عادت مؤشرات الاسواق المالية الى الارتفاع.
اسباب الأزمة
من الطبيعي ان تكثر التساؤلات عن اسباب هذه الازمة التي تطلبت انفاق مئات المليارات لامتصاص بعض آثارها.
بداية الازمة كما يوضح الخبير الاقتصادي محمد العسومي، هي التوسع الهائل في منح القروض العقارية في السوق الامريكي بدون ضمانات كافية وبمخاطر كبيرة مقابل سعر فائدة اعلى، والهدف هو تحقيق اكبر قدر ممكن من الارباح.
سارت الامور لسنوات على هذا النحو، لكن مع تراجع اسعار المنازل، ومع تراجع النمو الاقتصادي الامريكي اصبحت هناك قروض عقارية بمئات المليارات يعجز من حصلوا عليها على تسديدها.
وكان من ابرز ضحايا ازمة القروض العقارية مؤسستا "فاني ماي" و"فريدي ماك"، اللتين كانتا تقدمان نحو نصف القروض العقارية في الولايات المتحدة.
ويضيف الدكتور حازم الببلاوي مستشار صندوق النقد العربي سببا آخر بالغ الاهمية من وجهة نظره في تصاعد هذه الازمة، وهو التطور الهائل للاسواق المالية، وهذا التطور جعل هذه الاسواق بالغة التعقيد والتركيب، الامر الذي يخلق فرصا كثيرة، لكنه ايضا يزيد من المخاطر.
ويشير الببلاوي الى جانبين هامين في عمل الاسواق المالية في الوقت الراهن ربما ساهما في زيادة حجم المشكلة.
الجانب الاول هو عمليات "التوريق"، والتي تعني ببساطة قيام البنوك بتحويل ضمانات القروض التي تقدمها الى اوراق مالية تحصل بها على قروض جديدة. وهذه القروض الجديدة تقوم بنوك او مؤسسات مالية اخرى بتحويل جانب منها الى اوراق مالية تحصل بها على قروض جديدة وهكذا.
والنتيجة ان يكون هناك بناء مالي من عدة طوابق يمكن ان ينهار اذا انهار اي طابق منه، وهذا ما حدث.
اما الجانب الثاني فهو ارتباط كثير من المعاملات بالمستقبل، مثل ان يقوم مستثمر ببيع سلعة غير موجودة حاليا، ولكن ستوجد الشهر القادم اعتمادا على ان سعرها سينخفض وسيجني ارباحا من ذلك.
ويوضح الببلاوي ان المعاملات المستقبلية تقوم على الثقة فيما سيحمله هذا المستقبل، وبالتالي فان فيها مخاطرة عالية، وبالتالي اذا تراجعت الثقة تراجعت المعاملات بسرعة.
نتائج الأزمة
السؤال المطروح الآن: ما هي نتائج هذه الازمة؟ وهل تنجح الحكومة الامريكية في تخطيها؟ يرى العسومي ان السيولة الهائلة التي ضختها البنوك المركزية في الاسواق، والتي بلغت مئات المليارات من الدولارات في اسبوع واحد، ساهمت في امتصاص الازمة.
كما يرى ان اثر هذه الازمة على الاسواق العربية محدود لان استثماراتها موزعة بين عدة اسواق، وليس السوق الامريكية فقط، وان كان هناك من المستثمرين الافراد من سيعاني من الخسائر اذا كانت استثماراته كبيرة في الشركات التي تراجعت اسهمها.
ويتفق الببلاوي مع هذا الرأي ويتوقع ان تستمر الحكومة الامريكية في مساندة البنوك والمؤسسات المتعثرة لانها طالما دخلت لتقدم المساندة فسوف تضطر للاستمرار في ذلك.
وردا على من يرى ان تدخل الحكومة الامريكية في الاسواق يناقض اسس النظام الرأسمالي، يرى الببلاوي ان هذا النظام في ليس له ايديلوجية حاليا، ويواجه الظروف حسب مقتضيات المصلحة الاقتصادية، وهذا سر قوته واستمراره. كان يقال اثناء فترة الكساد الكبير في مطلع الثلاثينيات ان الدولة يجب الا تتدخل، لكن هذه الافكار تغيرت الآن.
الا ان هذه الازمة، كما يقول، تمثل درسا قاسيا للاسواق المالية يجب ان تتعلم منه.
وهذا ما يتفق عليه اكثر المحللين الذين تناولوا الازمة، اذ يرون ان الاسواق المالية لن تعمل بنفس الشكل مستقبلا، وانها بحاجة الى قواعد اكثر تشددا، خاصة بالنسبة لعمليات اعادة الاقتراض، حتى لا يمتد هذا الاسبوع الدامي الى اسابيع طويلة من الخسائر تتبخر خلالها مليارات الدولارات.
محمود القصاص
نقلا عن بي بي سي العربية*






الثلاثاء، 16 سبتمبر 2008

مقال رقم 7

لماذا أصبح حدث 11 سبتمبر مهماً لهذه الدرجة التي يرى فيها كثيرون، من عشاق نظرية المؤامرة، أو أعداء أمريكا المزمنين، أنها صناعة أمريكية مقصودة لتحصيل مكاسب سياسية واستراتيجية معينة، ودليلهم على هذا أنه لولا الحملة على الإرهاب التي أشغلت أمريكا العالم بها عقب هجمات 11 سبتمبر، لما استطاع العم سام أن يدخل العراق او يسقط طالبان او يرعب دولا أخرى «مارقة» في محور الشر الثلاثي الشهير، رغم محاولات بشار الأسد الإفلات من أضلاع المثلث الشرير.

غير ان هذا الفهم المؤامراتي المحض لا يبدو كافياً لفهم حقيقة ما جرى نهار 11 سبتمبر2001، وما تم بعد ذلك وما مهد لهذا الجنون الكبير، قبل ذلك.الهجمات السبتمبرية ليست حدثا امنيا او إرهابيا محضا، ولا حتى انتقاما سياسيا خالصا، إنها حدث «حضاري» بالمعنى الذي يشير الى تفجر حضارة في وجه أخرى، وتوتر حضارة بشكل حانق تجاه حضارة اخرى. وحتى لا تنزلق الافهام الى مجرى آخر فيما يخص كلمة «الحضارة»، فإن المقصود هنا الجانب المتأزم من كل حضارة، فالجانب المتأزم منا هو الذي أرعب وأرهب وفجر وقتل في نيويورك ولندن ومدريد واستانبول وبالي والكويت والرياض وجدة والدمام وشرم الشيخ والقاهرة وجربة والجزائر والدار البيضاء، باختصار «الإرهاب الإسلامي» هو الجرح النازف من إسلامنا والأكثر تعبيراً عن الجوانب المتوترة والمتأزمة منا. وفي المقابل، فإن فيلم «فتنة» الهولندي ورسوم الكارتون الدنماركية وكتابات المتطرفين، وتعذيب سجن ابوغريب، وغير ذلك، هي الجانب المتوتر تجاهنا من قبل الحضارة الغربية.منذ «غزوة مانهاتن»، ونحن في حالة تناطح إعلامي وسياسي وعسكري مع الغرب، مطارات أمريكا لم تعد ترحب بنا كثيرا، والأضواء الاعلامية صارت مسلطة علينا بكامل طاقتها، ولم يعد بمقدور فتوى متطرفة شاردة من هنا او هناك أن تظل حبيسة الوريقات التي كتبت عليها او محشورة في جنبات المجالس والصالونات، بل صارت الأذن العالمية مرهفة جدا لالتقاط كل شيء يصدر منا، فتطير الفتوى او التصريح المتعصب بعد لحظات من صدورها أو صدوره، الى مسامع العالم وكل وكالات الأنباء والقنوات الفضائية والصحف، من سنغافورة الى كاليفورنيا. متى ينتهي هذا التوتر العالمي؟ وهل سيأتي يوم يصبح فيه الحديث عن الارهاب و أزمة الفكر المتعصب وفقدان الثقة بيننا وبينهم، شيئا من الماضي؟الحق أن هذا سؤال سابق لأوانه، لأنه من المحال أن ينتهي الجواب بسرعة على سؤال من هذا النوع، وهو سؤال يتصل بالتاريخ الطويل، والحروب الطويلة بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي او الشمال الغني والجنوب الفقير، انه سؤال فوق ان يجيب عنه سياسي يسلط نظره على حل العابر من المشكلات وتحقيق السريع من المنجزات والمكاسب، وبالتأكيد هو فوق قدرة موظف علاقات عامة همه ان يقدم بعض البروباغندا او الكلمات الحلوة عن جمال مجتمعه وطيبته، وأواصر المودة الرابطة بيننا، فكل هذه الأفعال ليست إلا حبوب بنادول من النوع الرديء ايضا، لا تقدم ولا تؤخر، المشكلة حقيقة تتعلق بسؤال الذات للذات، وسنظل ندور في فضاء هذا السؤال حتى تتراكم سحب الجواب المثقلة بماء الحقيقة لتمطر راحة وطمأنينة على نفوسنا، ان العالم لن يرتاح حتى نرتاح نحن مع أنفسنا، لذلك فما أشار اليه المستشرق الفرنسي المعاصر جيل كيبيل من ان الارهاب الاسلامي العالم ليس الا نتاج أزمة داخلية، وانه موجه للداخل الإسلامي حتى وإن ضربت الهجمات اهدافا خارجية، ان هذه المقاربة تبدو صحيحة في بعض الحالات، رغم التحفظ على طروحات كيبيل الاخرى. نحن نرهب العالم لأننا لم نحسم بعد سؤال الهوية لدينا، وأي مستقبل نريد؟ وكيف نعرف الشرعية الدستورية لدينا؟ وأي عقد سياسي اجتماعي نريد؟ وكون أننا عشنا فترة او فترات معينة في حالة استقرار امنى وسياسي في بعض الدول والمجتمعات العربية، فان هذا لا يعني أن هذه الاشواق الدامية زالت من دواخل كثير منا، والدليل على ذلك هو نمط الاستجابة السريعة لكل دعوة متطرفة او فتوى دامية تصدر من هنا او هناك، استجابة وترحيب من قبل أفراد في المجتمع ليسوا من الإرهابيين او الاصوليين بالمعنى التقليدي، بل انك تجد اشخاصاً تلقوا تعليمهم الطويل في جامعات امريكا وبريطانيا وفرنسا، وتلقوا تدريبا راقيا، ولكنهم اول من يبادر الى الاصطفاف خلف أي موقف او تصريح يشتم منه رائحة اعادة الشرعية الدينية المفقودة، بزعمهم، أي ان هناك «ضعف مناعة مكتسبا» تجاه الطرح الاصولي المتطرف، الأمر يحتاج فقط الى من يرفع راية التعصب ليجد الكثيرـ من شتى المنابت والالوان ـ يصفق، او بالأصح ، يهلل ويكبر له.هنا الأزمة الحقيقية العميقة، الأزمة الحضارية والنفسية الشاملة، أزمة الذات الجماعية والهوية، وهي أزمة لدنيا أكثر مما هي أزمة لدى الغرب. أعني أزمة الهوية وتحديد الرؤية للحاضر والمستقبل والتشافي من المرض بالماضي، فلا هم أسرى له، ولا هم مستنكفون منه. نعم لدى الغرب متطرفون ومتعصبون على طول التاريخ في الماضي، وهذا شيء واضح، وفي الحاضر، وسيوجد في المستقبل، ولكنهم الأقل تأثيرا في السياسات الأساسية، يقوى شأنهم او يضعف حسب الظروف، لذلك رأيناهم بعيد هجمات 11 سبتمبر يكتبون ويصدرون الافلام والمواقف، لكنهم «أسرع الناس إفاقة بعد غفوة» كما قال الصحابي عمرو بن العاص عن البيزنطيين الأوائل.من أجل ذلك، كان السؤال كسؤال شيخ المستشرقين برنارد لويس: «أين الخطأ» والذي اشتمل عليه كتابه المعنون به عقب 11 سبتمبر، سؤالا مركزيا، هل لدينا خطأ ما أدى إلى ولادة «القاعدة» وأخواتها؟ وهل لدينا خطأ ما أدى إلى وجود قابيلة عالية لتفريخ الإرهابيين والمتعصبين على الدوام، وها هي بيانات الداخلية السعودية تترى علينا كل وقت تخبرنا عن خلية انترنتية او تمويلية او تنسيقية، لـ«القاعدة»، وها هو المغرب لا ينتهي من خلية «بولعيرج» حتى يبدأ بخلية الأندلس، فهل نحن ضعفاء أمام غواية التعصب الديني المسيس؟ أين الخطأ؟ لماذا يكرهوننا؟ على أي أساس نتعايش؟.. كلها اسئلة سبتمبرية ما زالت معلقة على أهداب الانتظار بعد مرور سبع سنوات على «آرمجدون» الصغرى التي دارت رحاها بعد غزوة «القاعدة» الهائلة في نيويورك وواشنطن.وهذا هو السؤال السابع الباقي بلا جواب حتى لحظة كتابته
* نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية